][^°¤§][ جهاد وكرامات ][§¤°^][
شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة ولكنه لم
يشهد عنه بدرا ولا أُحدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنه
كان صغيرا من جهة ، ولأن أباه كان يأمره بالبقاء مع إخوته التسع
من جهة أخرى , ذلك لأنه لم يكن لهن أحد سواه يقوم على أمرهن ،
وحدث جابر رضي الله عنه عن أحد فقال :
( لما كانت تلك الليلة التي سبقت أُحدا دعاني أبي و قال :
إني لا أراني إلا مقتولا مع أول من يقتل من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم , و إني والله ما أدع أحدا أعز علي منك بعد رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، و إن علي دينا , فأقض ديني ، وارحم أخواتك ،
واستوص بهن خيرا.
فلما أصبحنا كان أبي أول قتيل قُتل في أحد)
فلما دفنته أتيت النبي عليه الصلاة والسلام , فقلت :
يا رسول الله إن أبي ترك دينا عليه ، وليس عندي ما أفيه به إلا ما يخرجه
ثمر نخيله , ولو عمدت إلى وفاء دينه من ذلك لما أديته في سنين ، ولا
مال لأخواتي أنفق عليهن منه غير هذا.
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم , و مضى معي إلى بيدر تمرنا
و قال لي :
" أدع غرماء أبيك " , فدعوتهم.
فما زال يكيل لهم منه حتى أدى الله عن أبي دينه كله من تمر تلك السنة ،
ثم نظرت إلى البيدر فوجدته كما هو ، كأنه لم تنقص منه تمرة واحدة )
ثم تزوج جابر رضي الله عنه امرأة تحسن الإشراف على أخواته .
و منذ توفي والد جابر لم تفته غزوة واحده مع الرسول صلى الله عليه
وسلم ، ولقد كانت له في كل غزوة حادثة تروى و تحفظ ، وهذه إحدى
حوادثه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم التي رواها قائلا :
( كنا يوم الخندق نحفر , فعرضت لنا صخرة شديدة عجزنا عن تحطيمها ,
فجئنا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقلنا :
يا نبي الله لقد وقفت في سبيلنا صخرة صلدة , ولم تفعل معاولنا فيها شيئا ،
فقال صلى الله عليه وسلم : " دعوها فإني نازل إليها "
ثم قام , و كان بطنه معصوبا بحجر من شدة الجوع ، ذلك لأننا كنا أمضينا
أياما ثلاثة لم نذق خلالها طعاما , فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول ,
وضرب الصخرة فغدت كثيبا مهيلا.
عند ذلك إزداد أساي على ما أصاب الرسول صلى الله عليه وسلم من الجوع ,
فاتجهت إليه وقلت :
أتأذن لي يا رسول الله بالمضي إلى بيتي ؟
فقال : " امض "
فلما بلغت البيت قلت لامرأتي : لقد رأيت برسول الله من مرارة الجوع ما
لا يصبر عليه أحد من البشر , فهل عندك من شيء ؟
قالت : عندي قليل من الشعير , وشاة صغيرة , فقمت إلى الشاة فذبحتها
و قطعتها , و جعلتها في القدر , و أخذت الشعير فطحنته و دفعته إلى امرأتي ,
فعجنته فلما وجدت أن اللحم كاد ينضج ، وأن العجين قد لان , و أوشك أن
يختمر ، مضيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , و قلت له :
قليل من الطعام صنعناه لك يا نبي الله ، فقم أنت ورجل أو رجلان معك .
فقال : " كم هو ؟ "
فوصفته له ، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بمقدار الطعام قال :
" يا أهل الخندق إن جابرا قد صنع لكم طعاما فهلموا إليه "
ثم التفت إلي وقال :
" امض إلى زوجتك وقل لها :
لا تُنزلي قِدرك , ولا تخبزي عجينك حتى أجيء "
فمضيت إلى البيت ، وقد ركبني من الهم والحياء ما لا يعلمه إلا الله ،
وجعلت أقول :
أيجيئنا أهل الخندق على صاع من شعير ، و شاة صغيرة ؟
ثم دخلت على امرأتي و قلت : ويحك , لقد افتضحت ، فرسول الله صلى الله
عليه وسلم سيأتينا بأهل الخندق أجمعين.
فقالت : هل سألك : كم طعامك ؟
قلت : نعم.
فقالت : سَر عن نفسك , فالله ورسوله أعلم , فكشفت عني غما شديدا بمقالتها
تلك ، وماهو إلا قليل حتى أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعه
الأنصار والمهاجرون , فقال لهم :
" ادخلوا , ولا تزدحموا "
ثم قال لامرأتي :
" هات خابزة فلتخبز معك ، واغرفي من قدرك ، ولا تنزليها عن الموقد "
ثم طفق يكسر الخبز , ويجعل عليه اللحم , و يقربه إلى أصحابه ، و هم
يأكلون ، حتى شبعوا جميعا .
ثم أردف جابر قائلا :
أقسم بالله إنهم انفضوا عن الطعام و إن قدرنا لتفور ممتلئة كما هي ، وإن
عجيننا ليخبز كما هو ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لامرأتي :
" كلي ، واهدي "
فأكلت , وجعلت تهدي طوال ذلك اليوم كله .
][^°¤§][ القدوة لجيش بأكمله ][§¤°^][
لقد ظل جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنه مصدر إشعاع وهداية
للمسلمين دهرا طويلا , حيث مد الله في أجله حتى أوشك أن يبلغ من العمر
قرنا من الزمان ، ولقد خرج ذات سنة إلى بلاد الروم غازيا في سبيل الله ،
وكان الجيش بقيادة مالك بن عبدالله الخثعمي رضي الله عنه ، وكان مالك
رضي الله عنه يطوف بجنوده وهم منطلقون ليقف على أحوالهم , ويشد من
أزرهم , و يولي كبارهم ما يستحقونه من عناية و رعاية فمر بجابر بن
عبدالله , فوجده ماشيا ، ومعه بغل له يمسك بزمامه , ويقوده ، فقال له :
ما بك يا أبا عبد الله لم لا تركب وقد يسر الله لك ظهرا يحملك عليه ؟
فقال رضي الله عنه :
( إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
" من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار "
فتركه مالك رضي الله عنه و مضى حتى غدا في مقدمة الجيش ، ثم التفت
إليه وناداه بأعلى صوته , وقال :
يا أبا عبد الله , مالك لا تركب بغلك , وهو في حوزتك ؟
فعرف جابر رضي الله عنه قصده , و أجابه بصوت عال وقال :
( لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
" من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار " )
فتواثب الناس عن دوابهم ، و كل منهم يريد أن يفوز بهذا الأجر ، فما
رُئي جيش أكثر مشاة من ذلك الجيش .